قابس تختنق، كارثة الغازات السامة
- EMIRA azizi
- 1 oct.
- 2 min de lecture

في فجر يوم 30 سبتمبر 2025، استفاقت مدينة قابس على مشهد مأساوي لا يُحتمل: عشرات التلاميذ ينهارون واحدا تلو الآخر في ساحة المدرسة الإعدادية بشطّ السلام، يلهثون بحثا عن هواء نقي، فيما سيارات الإسعاف والحماية المدنية تتقاطر على المكان في سباق مع الزمن لإنقاذ أرواحٍ تُهددها غازات سامة متسرّبة.
ما الذي حدث؟
سجّلت قابس أكثر من 40 حالة اختناق جماعي بين التلاميذ في حادثة يوم 27 سبتمبر، نتيجة الانبعاثات السامة المنبعثة من المجمع الكيميائي. هذه الحادثة ليست الأولى، بل هي استمرار لسيناريو مأساوي متكرر، إذ وثّقت حالات اختناق متكررة خلال شهر سبتمبر تجاوزت 100 حالة في مناطق مختلفة من الولاية، منها غنوش وشطّ السلام. الأعراض الصحية تصاعدت لتشمل حالات غثيان حاد، فقدان مؤقت للوعي، واضطرابات تنفسية تجاوزت ضيق التنفس المعتاد في الحوادث السابقة.
الوضع الصحي للمصابين
بحسب تصريح النائب عن ولاية قابس، ثامر مزهود، فقد تم نقل أكثر من 11 حالة من التلاميذ إلى المستشفى، مع استمرار مراقبة 10 حالات على الأقل بسبب مضاعفات صحية. كما تم نقل بعض الحالات إلى مستشفى الرابطة بالعاصمة لضمان تلقي رعاية صحية أفضل، نظرا للإمكانات المحدودة في المستشفى الجهوي بقابس.
المجمع الكيميائي: مصدر الجريمة
المجمع الكيميائي التونسي، الذي يوفر نحو 57٪ من إنتاج حمض الفسفور الوطني، هو المسؤول المباشر عن هذه الكارثة البيئية. وحداته الصناعية، التي تجاوزت عمرها الافتراضي، أصبحت قنبلة موقوتة تهدد حياة سكان قابس، خاصة الأطفال الذين يدفعون الثمن الأغلى.
المغاربية للتحقيق ،صوت الحقيقة منذ زمن
سبق وأن نشر موقع المغاربية للتحقيق مقالا تحذيريا قبل أسابيع ، تناول فيه موضوع التلوث الصناعي في قابس، محذرا من الكارثة التي كانت تلوح في الأفق، ومطالبا بفتح تحقيق جدي ومسؤول. لكن للأسف، لم تُتخذ الإجراءات اللازمة، ليصل الوضع اليوم إلى هذه الدرجة من الانهيار الصحي والإنساني.
بيانات مساندة: صرخات المجتمع المدني
ردا على هذه الكارثة، أصدرت حملة "أوقفوا التلوث" بيانا شديد اللهجة عبّرت فيه عن غضبها من تكرار الكارثة البيئية، ووصفت ما يحدث بأنه "موت بطيء ممنهج"، داعية إلى محاسبة المتسببين فورا، ومساندة العائلات المتضررة، وتحرك جدي من كل مكونات المجتمع المدني لمنع تكرار الكارثة.
كما أصدر المجلس المحلي بقابس بيانا حمّل فيه المجمع الكيميائي المسؤولية الكاملة، وطالب بفتح تحقيق عاجل، واتخاذ إجراءات وقائية صارمة، إضافة إلى نقل المصابين إلى مستشفى الرابطة بالعاصمة لضمان رعاية صحية أفضل.
هذه البيانات تعكس صرخة جماعية ضد التواطؤ الرسمي، وتؤكد أن ما يحدث لم يعد مجرد خلل بيئي بل جريمة مستمرة في حق الطفولة والإنسانية.
جريمة في حق الطفولة والإنسان
ما يجري في قابس ليس حادثا عابرا، بل هو جريمة صارخة ضد حياة الأطفال والإنسانية جمعاء. إذ يدفع الأبرياء ثمن إهمال متعمد، وصمت رسمي مريب، وتواطؤ مع مصالح صناعية تنظر إلى الربح على حساب الأرواح.
"هذا الإهمال هو جريمة دولة، وجريمة ضد كل طفل في قابس"، هكذا وصف ناشطون بيئيون ما يجري، مطالبين بمحاسبة المسؤولين فورا ووقف هذه المأساة التي لا تحتمل المزيد من التكرار.
المطالب والإجراءات اللازمة
- فتح تحقيق عاجل وشفاف في ملابسات التسربات الغازية
- إيقاف فوري للوحدات الصناعية الملوثة التي تهدد حياة السكان
- تنفيذ خطة وطنية لتفكيك المجمع الكيميائي تدريجيا مع تعويض عادل للعمال
- متابعة صحية ونفسية مستمرة للمصابين وتوفير الدعم اللازم لهم
قابس بين الاختناق والصمت
المدينة تختنق، ليس فقط من الغازات السامة، بل من صمت السلطات وتجاهلها المتكرر. هذه ليست أزمة بيئية فحسب، بل انتهاك صارخ لحق الإنسان في الحياة والكرامة، ووصمة عار على جبين كل من يغضّ الطرف عن هذه المأساة.
بقلم أميرة عزيزي Amira Azizi


