top of page

قْابس تختنق و الجنوب يقود اكبر انتفاضة بيئية بين النبل الشعبي و التخبط الرسمي

  • Photo du rédacteur: Amira AZIZI
    Amira AZIZI
  • il y a 7 jours
  • 2 min de lecture



في الجنوب الشرقي من تونس، حيث البحر يجاور الذاكرة، وحيث الأرض تنزف من صمت الدولة، خرجت قابس عن صمتها. لم تكن مجرد احتجاجات، بل انتفاضة بيئية غير مسبوقة، تُطالب بحق أساسي: أن يتنفس الإنسان دون أن يُختنق، أن يعيش دون أن يُسمّم، أن يُحترم دون أن يُستغل.


المجمع الكيميائي لعنة الفوسفوجيبس


منذ تأسيسه سنة 1972، أصبح المجمع الكيميائي في قابس مصدرا دائما للتلوث. يُنتج يوميًا أكثر من 120 طنا من الغازات السامة، منها ثاني أكسيد الكبريت والأمونيا والفوسفوجيبس، تُرمى في البحر أو تُطلق في الجو.


النتائج كارثية:


- نسبة الإصابة بالسرطان في قابس تُقدّر بـ 3 أضعاف المعدل الوطني

- أكثر من 200 حالة اختناق سُجلت في أسبوع واحد خلال أكتوبر 2025

- حي شط السلام شهد نقل أكثر من 100 تلميذ للمستشفى في يومين فقط


انتفاضة أكتوبر، الغضب النبيل


في منتصف أكتوبر 2025، انفجر الغضب. خرج أكثر من 40 ألف مواطن في مسيرات سلمية، مطالبين بتفكيك المجمع أو نقله، وبتعويض المتضررين.

الاحتجاجات كانت منظمة، واعية، ومفعمة بروح المسؤولية.


بين النبل الشعبي والتخبط الرسمي


ما ميّز انتفاضة قابس هو وضوحها الأخلاقي: لا شعارات حزبية، لا أجندات خفية، بل مطلب بيئي صرف، نابع من معاناة يومية.

في المقابل، بدا التخبط الرسمي واضحا و جليا، تصريحات متناقضة، لجان مؤقتة، ووعود مؤجلة.

السلطة لم تُدرك بعد أن هذه الانتفاضة لا تُدار بالمسكنات، بل تحتاج إلى قرار حكيم وشجاع، يُنقذ الأرواح ويُعيد للجنوب اعتباره.


بين الاحتجاج النبيل ومحاولات التشويش


وكما في كل لحظة تاريخية، حاولت قلة شاذة استغلال الحشود لبث الفوضى أو التشويش على المطالب.

لكن هؤلاء لا يُقاس عليهم، ولا يُختزل بهم وجع مدينة بأكملها.

الانتفاضة كانت مشروعة، شرعية، وضرورية. بل تُعدّ اليوم أكبر انتفاضة بيئية في تاريخ تونس الحديث.


قيس سعيّد: بين الإشادة والتحذير


في تصريح له يوم 21 أكتوبر 2025، قال رئيس الجمهورية قيس سعيّد إن "أهالي قابس تظاهروا بوطنية عالية، ولن نسمح بالمتاجرة بآلامهم".

ووصف المرحلة بأنها "حرب تحرير على كافة الجبهات"، مشيرا إلى أن "محمد الدغباجي لو كان حيا لوقف إلى جانب أهالي قابس بصموده البطولي".

لكن رغم هذه الكلمات، فإن قابس لا تحتاج إلى خطب، بل إلى قرار حكيم، يُنقذ الأرواح ويُعيد للجنوب اعتباره.

المدينة لم تعد تحتمل وعودا واهية، ولا خططا مؤجلة. ما يُطلب اليوم هو فعل، لا وصف.


الدولة بين الإنكار والتجميل


منذ بداية الأزمة، تبنّت الحكومة خطابا مزدوجا: من جهة، الاعتراف بوجود مشكلة بيئية؛ ومن جهة أخرى، محاولة تبريرها بخطط تقنية غير قابلة للتنفيذ الفوري.

تم الإعلان عن 6 مشاريع للحد من الانبعاثات، لكن دون جدول زمني واضح أو إشراك فعلي للمجتمع المدني.

هذا التجميل المؤسسي لا يُقنع من يعيش الاختناق يوميا، ولا يُعالج سرطانا يتفشى و يتغلغل في أجساد الأطفال.


ما تطلبه قابس:


- تفكيك تدريجي للمجمع الكيميائي ونقل وحداته بعيدا عن المناطق السكنية

- خطة انتقال بيئي عادلة تضمن بدائل اقتصادية

- تعويضات للمتضررين صحيا وبيئيا

- إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرار


أكثر من احتجاج بل إنها كتابة جديدة للكرامة


انتفاضة قابس ليست فقط عن البيئة. إنها عن الحق في الحياة، في العدالة، في أن لا يُختزل الجنوب في خريطة الموارد.

إنها عن استعادة صوت مدينة لطالما حوصرت بالدخان، لكنها لم تفقد الأمل.

وإن كانت الدولة جادة، فلتبدأ من قابس لا من التصريحات


بقلم أميرة عزيزي Amira Azizi

bottom of page