بقلم أميرة عزيزي -
شهد جبل السلوم بولاية القصرين اكتشافًا أثريًا جديدًا يعزز من مكانة المنطقة كإحدى أهم المواقع الرومانية في تونس. الموقع، المعروف بـ "هنشير الضرّاوية"، يعود إلى الفترة الممتدة بين القرن الثالث والقرن السابع ميلادي تقريبا، ويضم منشآت معمارية تعكس الطابع الاقتصادي والثقافي.
كشفت عمليات المسح الأثري عن معصرة زيت زيتون، حمام روماني، مقبرة، قرية قديمة، ومنشآت لجلب المياه، إلى جانب نقيشتين حجريتين. تشير إحدى النقيشتين إلى مالك الضيعة، بينما تحمل الأخرى عبارة ترحيبية، مما يعكس أهمية الموقع كمركز اقتصادي وتجاري في ذلك العصر.
يرجّح الباحثون أن المنطقة كانت محورًا رئيسيًا لإنتاج زيت الزيتون وتصديره إلى روما، حيث لعبت القصرين دورًا مهمًا في التجارة الرومانية. كما تؤكد المنشآت المائية والهياكل السكنية المكتشفة أن الموقع كان مأهولًا بالسكان ويتمتع ببنية تحتية متطورة.
يأتي هذا الاكتشاف ليكشف عن الثراء التاريخي للمنطقة الداخلية التونسية، والتي لا تزال تحتضن مواقع أثرية غير مكتشفة بعد. فمن المعروف أن جبل السلوم لعب دورًا بارزًا خلال الحقبة الرومانية، حيث كان يُعرف باسم "سليوم" ويشكل نقطة استراتيجية في خريطة النشاط الاقتصادي الروماني.
ويؤكد الخبراء أن أهمية هذا الموقع لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضًا التأثير الثقافي والتجاري الذي امتد على مدى قرون. كما يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام إجراء حفريات معمقة للكشف عن المزيد من التفاصيل حول الحياة اليومية لسكان المنطقة خلال تلك الفترة.
من المتوقع أن تواصل فرق البحث والتنقيب إجراء دراسات ميدانية لتحديد نطاق الموقع وتحليل الاكتشافات الأثرية. كما يمكن أن يشكّل هذا الموقع فرصة لتعزيز السياحة الثقافية في القصرين، خاصة إذا تم إدراجه ضمن قائمة المعالم الأثرية الوطنية.
يعتبر هذا الاكتشاف إضافة قيّمة للتراث التونسي، ويعكس المكانة التاريخية التي كانت تتمتع بها المناطق الداخلية، بعيدًا عن المراكز الحضرية الكبرى. كما يبرز أهمية دعم الدراسات الأثرية لتعزيز المعرفة بالتاريخ التونسي القديم وإدراجه ضمن المسارات السياحية المستقبلية.