top of page

موسم الشاوري في بنزرت :بين التراث البحري و القيمة الاقتصادية

  • Photo du rédacteur: Amira AZIZI
    Amira AZIZI
  • 16 mai
  • 2 min de lecture

بقلم أميرة عزيزي -


يُعد موسم الشاوري في بنزرت من التقاليد البحرية العريقة التي تجمع بين الموروث الثقافي والمردود الاقتصادي، مما يجعله حدثًا ذا أبعاد متعددة تستحق التوقف عندها.

سمك الشاوري، المعروف أيضًا باسم الزميمرة أو الزرقة، هو نوع من الأسماك القاعية التابعة لفصيلة السبيقري (Spicara maena). يتميز بلونه الفضي الرمادي مع بقعة سوداء على جانبيه، ويبلغ طوله بين 12 و20 سنتيمترًا. من السمات الفريدة لهذا النوع قدرته على تغيير الجنس من أنثى إلى ذكر بعد عامين تقريبًا، وهي خاصية طبيعية تساعد في الحفاظ على التوازن البيئي لهذا النوع البحري.


لا يُعتبر سمك الشاوري مجرد نوع عادي من الأسماك، بل هو كائن يخضع لدورة بيولوجية معقدة تتيح له التنقل بين المناطق البحرية. إذ ينتشر في البحر الأبيض المتوسط ويتحرك وفق مسار طبيعي يبدأ من السواحل الغربية لأفريقيا، خاصة من السنغال، ثم يتجه شمالًا نحو البحر الأبيض المتوسط، ويمر بالسواحل التونسية، وخاصة بنزرت، بين شهري ماي وجوان.


تمثل سواحل بنزرت بيئة مثالية لهذا النوع البحري، حيث تتوافر الظروف الملائمة للتكاثر. خلال فترة التزاوج، تتجمع الذكور الناضجة على أعماق تتراوح بين 35 متر على الحشائش البحرية، مهيئة بذلك أماكن مخصصة للإناث لوضع البيوض. بعد انتهاء هذه المرحلة، يواصل سمك الشاوري رحلته نحو جزيرة جالطة استعدادًا للانتقال إلى المحيط الأطلسي.

لا يقتصر موسم الشاوري على كونه ظاهرة بيولوجية فحسب، بل هو أيضًا مناسبة اجتماعية يحتفل بها أهالي بنزرت، حيث يتزامن مع موسم جني التوت، مما يجعل الجمع بين "الشاوري والتوت" عادة غذائية شهيرة في المنطقة.


تختلف طرق إعداد الشاوري بين الطهي في الزيت وحفظه بالتجفيف والتمليح لاستخدامه في أشهر لاحقة، حيث يدخل في أطباق تقليدية مثل الكسكس البحري والحلالم، مما يضفي عليه بعدًا ثقافيًا يعكس التراث المحلي.


وبالإضافة إلى ذلك، تحتفي معتمدية رأس الجبل بهذا الموسم عبر تنظيم مهرجان سنوي يمتد بين ميناء كاب زبيب ورفراف، ويستقطب زوارًا من مختلف المناطق للاستمتاع بتذوق هذا السمك الفريد.

لا يمكن الحديث عن موسم الشاوري دون التطرق إلى تأثيره الاقتصادي، حيث يُعد فرصة مهمة للصيادين المحليين الذين يستفيدون من ارتفاع الطلب خلال هذه الفترة، مما ينعكس إيجابيًا على دخلهم. وتشير التقديرات إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من الشاوري يتراوح بين 4 دنانير و12 دينارًا وفقًا للجودة وظروف السوق.


هذا النشاط التجاري لا يقتصر على الصيادين فحسب، بل ينعكس أيضًا على الأسواق المحلية، لا سيما سوق صلاح الدين بوشوشة، الذي يشهد إقبالًا كثيفًا خلال الموسم، حيث يتوافد الأهالي والسياح لشراء هذا السمك الطازج. كما تستفيد المطاعم من الموسم بتقديم أطباق تقليدية تعتمد على الشاوري، مما يعزز النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات الغذائية.

إلى جانب تأثيره على الاقتصاد المحلي، يُعد موسم الشاوري عاملًا محفزًا للسياحة الداخلية، حيث يجذب المهرجان السنوي في رأس الجبل زوارًا من مختلف الولايات، مما يؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في حجوزات الفنادق وتنشيط المطاعم في المناطق الساحلية مثل رفراف وكاب زبيب، حيث يستمتع الزوار بتقاليد المدينة والمأكولات البحرية المتنوعة.

ورغم أهمية الموسم، يواجه الصيادون تحديات متعددة، أبرزها تقلبات المناخ وتأثير الصيد الجائر على المخزون البحري، مما يستدعي اتخاذ تدابير مستدامة للحفاظ على استمرارية هذا المورد البحري.


لا يقتصر موسم الشاوري على كونه مناسبة غذائية فحسب، بل هو جزء لا يتجزأ من التراث البحري التونسي، حيث يجمع بين العادات والتقاليد من جهة، والاقتصاد البحري والسياحة المحلية من جهة أخرى. وبين الطابع الاحتفالي والتحديات البيئية، يبقى هذا الموسم محطة مميزة تستحق الإشادة والاهتمام لضمان استدامته عبر الأجيال القادمة.


bottom of page