بقلم أميرة عزيزي
يواصل الفساد الإداري والمالي نخر المؤسسات العمومية والجهوية في تونس، حيث تتصدر ملفات الفساد المشهد في مختلف الولايات، مما يجعل استئصال هذه الظاهرة ضرورة ملحة لضمان الشفافية والنزاهة في إدارة المال العام. تشير التقارير إلى أن البلاد تخسر حوالي 3.5 مليار دينار سنويًا بسبب الفساد، وهو ما يعادل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن بعض المؤسسات العمومية تعاني من تجاوزات مالية ضخمة، مثل خسائر الصناديق الاجتماعية التي تقدر بحوالي 2000 مليون دينار، وخسائر البريد التونسي التي تصل إلى 54 مليون دينار سنويًا.
في ولاية القصرين، تتواصل التحقيقات القضائية حول عدة ملفات فساد، أبرزها ملف المساكن القطرية التي تم إنشاؤها سنة 2016 في معتمدية الزهور. النيابة العمومية قررت إبقاء ستة مسؤولين سابقين في حالة سراح، بينهم والٍ سابق ورئيس بلدية سابق، وذلك بانتظار استكمال التحقيقات حول الإخلالات المالية والإدارية في تنفيذ المشروع، الذي كان يهدف إلى دعم السكن الاجتماعي لكنه تحوّل إلى نقطة خلاف بسبب الغموض الذي يحيط بتوزيعه ونوعية الأشغال المنجزة.
أما مشروع طريق بولحناش - تالة فقد أثار جدلاً واسعًا، حيث كشفت التحقيقات عن إهدار المال العام من خلال:
- نقص في سمك طبقات الأساس بما لا يتماشى مع المواصفات الفنية.
- استخدام مواد غير مطابقة لما تم الاتفاق عليه في الصفقة الأصلية.
- دفع مستحقات المقاول قبل إتمام الأشغال بالجودة المطلوبة.
هذه التجاوزات دفعت الأهالي إلى المطالبة بمحاسبة المسؤولين، خاصة أن الطريق كان من المفترض أن يكون جاهزًا لتحسين حركة التنقل، إلا أنه بقي غير صالح للاستعمال.
كما كشفت التقارير عن تجاوزات في مشروع بناء دار الشباب بفوسانة، حيث ظهرت تشققات خطيرة رغم مرور خمس سنوات فقط على استغلاله، مما استوجب إعادة تهيئته بكلفة 470 ألف دينار ، وهو مبلغ يفوق تكلفة البناء الأصلية، ما أثار تساؤلات حول الفساد في الصفقات العمومية وطريقة تنفيذ الأشغال.
لا يقتصر الفساد على المشاريع التنموية، بل يمتد أيضًا إلى المؤسسات العمومية، مثل فرع الشركة الوطنية للسكك الحديدية بالقصرين، حيث تم تسجيل توقف نشاط القطارات منذ أكثر من 14 سنة، رغم استمرار المؤسسة في دفع أجور 19 موظفًا دون قيامهم بأي عمل فعلي، في حين تتعرض الممتلكات العامة لاعتداءات مستمرة دون أي تدخل قانوني لحمايتها.
ملفات الفساد هذه وغيرها تم إحالتها على القضاء وسط مطالب شعبية بضرورة محاسبة المسؤولين واسترجاع الأموال المنهوبة. والي القصرين أكد أن العمل متواصل لكشف التجاوزات وضمان تطبيق القانون، خاصة بعد أن أصبحت قضايا الفساد في المشاريع العمومية مصدر قلق كبير بالنسبة للمواطنين، الذين يأملون في رؤية تغييرات جذرية تعزز الشفافية والنزاهة في إدارة المال العام.
ومع استمرار التحقيقات، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هناك محاسبة فعلية أم ستظل هذه الملفات مجرد عناوين عابرة في نشرات الأخبار؟
الحقيقة تبقى بانتظار أفعال حاسمة تعيد الثقة للمواطن وتضع حدًا لنزيف الفساد الذي استمر لسنوات طويلة.