بقلم آدم العياري
قرّرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس، اليوم، تأجيل النظر في القضية المرفوعة ضد الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب، الطيب راشد، إلى تاريخ 19 ماي 2025، في ملف يتعلق بشبهات تدليس وتبييض أموال.
وتُعد جلسة اليوم الأولى في هذا الملف، وقد شهدت غياب المتهم بدعوى تدهور حالته الصحية، حسب ما أكده محاميه.
قضية فساد تتفرع إلى رجال أعمال وقضاة
تعود وقائع القضية إلى اتهامات بتورط الطيب راشد في التدخل في مسارات قضائية لصالح رجل الأعمال نجيب بن إسماعيل، حيث صدرت في وقت سابق بطاقة إيداع بالسجن في حقه من قبل قاضي التحقيق بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، في إطار قضية تشمل عدداً من المتهمين، من بينهم رجال أعمال وقضاة موقوفون على ذمة التحقيق.
وقد أعيد فتح الملف مؤخرًا، وتولى أحد قضاة التحقيق بالقطب الاقتصادي والمالي الإشراف عليه، وأصدر بطاقات إيداع إضافية ضد المظنون فيهم، من بينهم بن إسماعيل، الذي كان قد وُضع في الإقامة الجبرية، مع مصادرة أملاكه بسبب قضايا تتعلق بالتهريب، التهرب الضريبي وتبييض الأموال.
تدخلات مباشرة وغير مباشرة في ملفات ثقيلة
الوثائق والتقارير القضائية تشير إلى أن الطيب راشد، خلال فترة توليه منصب وكيل عام بمحكمة الاستئناف ثم رئيسًا أول لمحكمة التعقيب، انحرف بالمسار الإجرائي لعدد من القضايا الحساسة، أبرزها قضيتي نجيب بن إسماعيل وفتحي جنيح، حيث يُتهم بعدم إحالة الملف على قاضي التحقيق لتنفيذ قرار دائرة الاتهام، مما أدى إلى استهلاك مدة الإيقاف القصوى، وبالتالي تمتيع المتهم بالإفراج الوجوبي.
في أغسطس 2018، كلّف راشد دائرة اتهام غير مختصة قانونيًا بالنظر في ملف بن إسماعيل، وهو ما أسفر عن الإفراج عنه لانقضاء آجال الإيقاف، بالرغم من أن الجهة المخولة للنظر في مثل هذه المطالب هي قاضي التحقيق.
دوائر صيفية مثيرة للجدل
واصل الطيب راشد تدخلاته، حيث أحدث دوائر قضائية صيفية استثنائية للنظر في قضايا فساد مالي، من بينها ملفات نجيب بن إسماعيل وفتحي جنيح، وعيّن قضاة لا تتوفر فيهم الشروط القانونية، من بينهم مستشار يحمل إعاقة ذهنية بنسبة 67%، صرّح لاحقًا أنه لم يطّلع على محتوى الأحكام الصادرة باسمه.
في سياق آخر، أشار الوكيل الأول لمحكمة التعقيب حينها إلى أنه لم يتم استشارته في إحداث هذه الدوائر، وأن الطيب راشد كان ينفذ مشروعًا خاصًا داخل المحكمة، يتضمن مسارات موازية لقضايا ذات طابع حساس، خاصة تلك الواردة من القطب المالي أو قطب مكافحة الإرهاب.
قرارات مسترابة وخرق للقانون
تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل كشف أن الدائرتين اللتين أنشأهما راشد في صيف 2019 أصدرتا قرارات بالنقض دون إحالة في ثماني قضايا فساد مالي، واعتُبرت هذه القرارات مشبوهة وتخالف القانون.
ومن بين هذه القضايا، قضية المستثمرَين فتحي وعادل جنيح، المتهمين بشبهات تبييض أموال، تدليس، مسك واستعمال مدلس، وتوريد بضائع محجرة، حيث حكمت الدائرة التي شكّلها الطيب راشد بالنقض دون الإحالة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات.
محكمة التعقيب تحت المجهر
القضية الحالية التي يمثل فيها الطيب راشد أمام القضاء، وإن تأجلت، تكشف حجم الانحرافات التي يمكن أن تحدث في أعلى هرم السلطة القضائية، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاح شامل لمنظومة العدالة في تونس، بما يضمن الاستقلالية، النزاهة، والشفافية في معالجة قضايا الفساد المالي والسياسي