الإدمان في تونس : أزمة صامتة تتطلب صحوة وطنية
- EMIRA azizi
- 17 sept.
- 3 min de lecture

في تونس، لم يعد الإدمان مجرد انحراف فردي، بل تحوّل إلى أزمة وطنية تتغلغل في المدارس، الأحياء، وحتى البيوت التي كانت تظن نفسها بمنأى عن الخطر. من القنب الهندي( الزطلة)إلى الإكستازي و ليريكا ، ومن السجائر إلى الحبوب المهلوسة، تتعدد الأشكال، لكن النتيجة واحدة، شباب يُستدرج، أسر تنهار، ومؤسسات عاجزة عن المواجهة.
مراكز معالجة الإدمان: بين الندرة والضغط المتزايد
رغم تفاقم الظاهرة، فإن البنية العلاجية ما تزال محدودة وغير كافية لمواكبة حجم الأزمة. حاليا، تضم تونس 5 مراكز متخصصة في معالجة الإدمان:
- مركز "أمل" بجبل الوسط اللذي يعالج سنويا بين 1000 و1200 حالة، ويُعد الأكثر نشاطا على المستوى الوطني.
- مستشفى الرازي بمنوبة: أول مركز تأسس سنة 2015، يضم وحدة علاج نفسي وإدمان.
- عيادة القرجاني: تقدم خدمات علاجية متخصصة، لكنها تعاني من نقص في الموارد البشرية.
- عيادة الأمل بزغوان: افتُتحت سنة 2019، وتستقبل حالات من ولايات الوسط.
- مركز طينة بصفاقس: أُعيد تفعيله سنة 2025 بعد سنوات من التعطيل، ويخضع حاليا لإعادة هيكلة إدارية وفنية ليصبح تابعا رسميا لوزارة الصحة.
كما أعلنت وزارة الصحة عن تهيئة مراكز جديدة في المنستير، قفصة، والكاف، لكنها لم تدخل حيز العمل بعد.
ورغم هذه المبادرات، فإن عدد المراكز يظل غير كاف مقارنة بعدد المدمنين الذي يُقدّر بين 700 ألف ومليون تونسي، وفق تصريحات المجتمع المدني. كما أن أغلب المراكز تعاني من:
- نقص في الإطار الطبي المتخصص (أطباء نفسانيون، أخصائيون اجتماعيون).
- غياب برامج إعادة الإدماج المهني والاجتماعي بعد العلاج.
- ضعف التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية في التكفل بالمرضى.
- عدم شمول العلاج في التغطية الاجتماعية، مما يجعل التكلفة عائقا أمام الفئات الهشة.
أرقام رسمية صادمة
بحسب الدكتور نبيل بن صالح، المكلف بملف الإدمان بوزارة الصحة:
- 25٪ من التونسيين يعانون من أحد أشكال الإدمان.
- نسبة المدخنين تتراوح بين 25 و30٪.
- في صفوف التلاميذ بين 15 و17 سنة:
- استهلاك القنب الهندي ارتفع من 1.5٪ إلى 8٪ منذ 2021.
- تعاطي حبوب الإكستازي تضاعف 7 مرات خلال نفس الفترة.
- من 40 إلى 50٪ من المدمنين يعانون من اضطرابات نفسية غير مشخصة.
رأي طبيب مختص: الإدمان ليس انحرافا بل مرض قابل للعلاج
في تصريح حديث ، أكد الدكتور نبيل بن صالح أن الإدمان تضاعف أربع مرات في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن مركز "أمل" بجبل الوسط يعالج سنويا بين 1000 و1200 حالة، بينما تستقبل العيادات النفسية في المستشفيات العمومية آلاف الحالات الأخرى.
و أضاف ان "الإدمان يبدأ أحيانا من أول تجربة، وقد يكون نتيجة اضطراب نفسي غير مشخص. العلاج لا يقتصر على الإيواء، بل يحتاج إلى مرافقة نفسية واجتماعية طويلة المدى. المسار العلاجي قد يمتد إلى عشر سنوات، واحتمال الانتكاسة دائم، لكنه لا يعني الفشل."
كما أشار إلى أن القانون التونسي لا يعترف بالإدمان كمرض، بل يُصنّفه كجنحة، مما يمنع الصناديق الاجتماعية من التكفل بالعلاج، رغم أن 80٪ من الحالات لا تتطلب إيواء، ويمكن علاجها بالمتابعة النفسية.
شهادات إنسانية ووجوه خلف الأرقام
سليم، 19 سنة، من حي التضامن
"بدأت بالقنب الهندي في عمر 14، كنت أهرب من مشاكل البيت و المدرسة، ابي يعنف امي و يعنفني. بعد سنتين، صرت أتعاطى الإكستازي كل أسبوع. حاولت العلاج، لكن المركز بعيد، وما عنديش فلوس للعيادة. أحيانا نحس روحي نحب نخرج منها الحكاية ، نحب نرتاح، لكن ما نلقاش كيفاش."
أمّ هاجر، 42 سنة، من حي الزهور
"ولدي تغيّر فجأة، صار منطوي، عصبي، يسرق من الدار. اكتشفنا أنه يتعاطى حبوب. مشيت للمستشفى، قالولي ما عندناش اختصاص، لازم نمشي لجبل الوسط. ما عنديش وسيلة نقل و ما في حاليش، وما نقدرش نخلّيه يضيع قدام عينيا. أنا أمّ، لكن حاسّة روحي عاجزة."
مروى، 25 سنة، متعافية منذ عامين
"كنت أتعاطى الكوكايين في الجامعة، جربت في قالب ضحكة و بعد وحلت، حسيت مستقبلي قاعد يضيع. ما حدّ حس بيا. العلاج النفسي ساعدني، لكن الأهم كان وجود ناس آمنت بيا و ووقفو معايا و شجعوني نتعالج. اليوم نشتغل مع جمعية توعية، ونحاول نكون صوت للي ما يقدروش يحكيو."
تحليل الظاهرة
- الإدمان لم يعد حكرا على الفئات الهشة، بل أصبح ظاهرة عابرة للطبقات.
- غياب المقاربة الشاملة (الصحية، النفسية، الاجتماعية) يجعل العلاج غير فعال.
- التعامل الأمني وحده لا يكفي، بل يزيد من وصم المدمن ويمنعه من طلب المساعدة.
توصيات ملحة و عاجلة
- إدراج الإدمان ضمن الأمراض المزمنة التي تتكفل بها الصناديق الاجتماعية.
- فتح مراكز علاج في كل ولاية، مع دعم العلاج النفسي والتأهيلي.
- إدماج برامج توعية في المناهج المدرسية، وتدريب الإطار التربوي على رصد السلوكيات الخطرة.
- تشجيع الإعلام على تناول الظاهرة بعمق، بعيدًا عن الإثارة أو الوصم.
الإدمان كنداء للرحمة
الإدمان ليس وصمة، بل نداء. نداءٌ من شاب لم يجد من يسمعه، من أم تُصارع العجز، من مجتمعٍ يكتفي بالإدانة وينسى الاحتواء. في تونس، لم يعد الإدمان مجرد انحراف فردي، بل تحوّل إلى أزمة وطنية تتغلغل في المدارس، الأحياء، وحتى البيوت التي كانت تظن نفسها بمنأى عن الخطر. من القنب الهندي إلى الإكستازي، ومن السجائر إلى الحبوب المهلوسة، تتعدد الأشكال، لكن النتيجة واحدة: شباب يُستدرج، أسر تنهار، ومؤسسات عاجزة عن المواجهة.
بقلم أميرة عزيزي-Amira Azizi


