top of page

مهرجان قرطاج الدولي 2025، دورة بلا بوصلة فنية

  • Photo du rédacteur: Amira AZIZI
    Amira AZIZI
  • 11 juil.
  • 2 min de lecture
ree

بقلم أميرة عزيزي --



تنطلق فعاليات الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي من 19 جويلية إلى 21 أوت 2025، وسط ترقّب شعبي كبير وتساؤلات نقدية جوهرية حول مدى محافظته على هويته الفنية. هذه الدورة، رغم تألقها التنظيمي الخارجي، تثير جدلا واسعا حول غياب الرؤية الثقافية وضعف البنية الفنية، خصوصا أنها تُقام لأول مرة منذ تأسيس المهرجان سنة 1964 دون إدارة فنية واضحة.


في قرار مفاجئ، اكتفت الإدارة العامة بقيادة هند المقراني بلجنة تنظيمية، معتبرة أن - المدير هو الجمهور-. هذا التصريح، رغم شاعريته، عكس فراغا في توجيه البرمجة وتركيبة العروض، مما تجلّى في اختيارات فنية تفتقر إلى التنوع والتمثيل الجغرافي والثقافي المتوازن. فقد ضم البرنامج فنانين دوليين مثل لطيفة العرفاوي، نانسي عجرم، نجوى كرم، محمد عساف، كي ماني مارلي، ومي فاروق، بينما غاب الحضور المغاربي البديل والعروض الإفريقية، ما يثير تساؤلات حول ملامح الهوية التي يُفترض أن يعكسها المهرجان.


على مستوى التنظيم، أثار إلغاء عرض الفنانة الفرنسية هيلين سيغارا جدلا إضافيا. إذ قرّرت الإدارة حذف العرض إثر حملة احتجاج شعبية ضد دعمها العلني للكيان الصهيوني، رغم تأكيد سيغارا لاحقا للصحافة الفرنسية أنها لم تتلقّ أي اتصال رسمي من المهرجان ولم تكن على علم ببرمجتها ضمن الدورة. هذا التناقض يُبرز ارتباكا في آليات الترويج والبرمجة، ويضع مصداقية اللجنة التنظيمية أمام اختبار جدّي.


في السياق المالي، كشف المهرجان عن أسعار تذاكر تتراوح بين 20 دينارًا للعروض الشعبية و90 دينارا للعروض الكبرى، وهو فارق يُثير إشكالات اجتماعية خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن. حسب المعهد الوطني للإحصاء، بلغت نسبة التضخم في تونس 5.4% خلال شهر جوان 2025، مما انعكس مباشرة على القدرة الشرائية للمواطن التونسي. هذه التسعيرة تُثير تساؤلات حول إمكانية نفاذ الجمهور إلى الثقافة، وتفتح نقاشا حول ما إذا كان مهرجان قرطاج لا يزال فعليا مهرجانا شعبيا.


ورغم أن أول العروض لم تُقدّم بعد، سجّل الشارع التونسي حضوره النقدي مبكرا، حيث عبّر كثيرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن استيائهم من مستوى البرمجة، وتشكّكوا في قدرة اللجنة التنظيمية على تقديم دورة تليق بعراقة المسرح الروماني. في المقابل، برز عرض محمد عساف بعنوان - من أجل غزة- كواحد من السهرات القليلة التي تجمع بين الفن والموقف السياسي، في ظل صمت رسمي عربي حيال المجازر المرتكبة في فلسطين.


ترافق هذه الدورة وعود تقنية حول تجهيز المسرح بتقنيات سينوغرافية متطورة، من إضاءة ثلاثية الأبعاد إلى شاشات تفاعلية، لكن هذه الوعود لم تختبر بعد، ما يجعل الحديث عن جاهزية العرض مرهونا بالأداء الفعلي. مسرح قرطاج، بوزنه التاريخي، يُطالب بأكثر من أدوات بصرية بل يتطلب مضمونا فنيا حيا يُعيد له وهجه الرمزي والثقافي.


في ختام الصورة، لا يُقاس مهرجان قرطاج بعدد الحفلات ولا حجم الأضواء، بل بما يحمله من قيمة ثقافية وموقف فني ورؤية تنظيمية تُترجم تاريخ تونس الفني ومكانتها الإقليمية. وبين دورة بلا مدير فني، وبرمجة مثيرة للجدل، وتفاوت سعري غير مبرّر، يبقى السؤال مفتوحا هل نحن أمام لحظة استحقاق تُوجب إعادة تعريف إرث مهرجان قرطاج؟ أم أن هذه الدورة مجرّد حلقة أخرى في سلسلة من التحوّلات التي قد تُفقده جوهره؟

bottom of page