بقلم آدم العياري
قررت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس، اليوم الثلاثاء، رفض مطلب الإفراج عن ثلاثة إطارات سابقين في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، من بينهم مدير عام سابق، وتأجيل محاكمتهم إلى جلسة يوم 30 ماي الجاري. وتأتي هذه التطورات في إطار تتبع قضائي مستمر يتعلق بشبهات فساد مالي وإداري في صفقة عمومية تخص حقل نوارة جنوب ولاية تطاوين.
وكان قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي قد أصدر بطاقات إيداع بالسجن ضد المتهمين الثلاثة، وهم “م.ع.خ” و”ع.و.خ” و”م.ن”، بتهم تتعلق باستغلال موظف عمومي لصفته لتحقيق فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره، والإضرار بالإدارة، والفساد المالي والإداري في إسناد صفقة عمومية.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس أذنت لأعوان الفرقة المركزية للحرس الوطني بالعوينة بالاحتفاظ بإطارين متقاعدين، إلى جانب “م.ع.خ” الذي يشغل حالياً منصب مدير عام بالمؤسسة الفرنسية التونسية للنفط، بعد أن تولى سابقاً خطة المدير العام بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية.
ويُشتبه في أن المعنيين بالأمر قد تورطوا في تضخيم غير مبرر لمصاريف تطوير حقل نوارة، حيث تحملت الدولة التونسية، عبر الشركة الوطنية، 50% من هذه التكاليف الزائدة. الملف يسلط الضوء على مدى عمق الفساد الذي ينخر قطاع الطاقة في تونس، وخصوصاً ما يتعلق بالشراكات الأجنبية وتضارب المصالح.
تعود جذور القضية إلى أغسطس 2018، حينما قرر رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد إقالة وزير الطاقة خالد قدور وعدد من كبار المسؤولين بالوزارة، من ضمنهم رئيس مدير عام المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. وجاءت هذه الإقالات عقب تقارير عن استغلال أحد المستثمرين التونسيين لحقل نفطي دون ترخيص منذ سنة 2009.
غير أن المعطيات التي تكشفت لاحقاً، أظهرت أن الوزير المقال خالد قدور لم يكن متورطاً في شبهة فساد تخص حقل نوارة، بل تم إبعاده بسبب رفضه لطلب الشركة النمساوية الشريكة OMV بزيادة كلفة تطوير الحقل من 780 مليون دولار إلى 1.27 مليار دولار، وهو ما رفضته الدولة التونسية رسمياً حينها.
وفي أعقاب إقالة الوزير، تم تعيين “ع.خ” مديراً عاماً جديداً للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية. هذا التعيين أثار الريبة، خاصة وأن “ع.خ” كانت له علاقات سابقة مع الشركة النمساوية، بل إن أحد أفراد عائلته مازال يشتغل معها، ما يُعد تضارب مصالح واضح. وتم لاحقاً إرسال “ع.خ” إلى لندن للتفاوض مع الطرف النمساوي، وهو ما أسفر عن موافقة غير مبررة على الزيادة في التكاليف، إلى حد صرف تسبقة بـ40 مليون دولار.
وفي الوقت الذي أطلق فيه رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال استقباله مسؤولين بقطاع الطاقة في أوت 2022، دعوة لفتح تحقيق إداري وآخر قضائي في تجاوزات المؤسسة، لم تكن تداعيات ملف حقل نوارة قد انكشفت بالكامل. وقد تزامن ذلك مع إصدار أمر رئاسي يقضي بإقالة عبد الوهاب الخماسي، المدير العام السابق للمؤسسة.
فضيحة حقل نوارة تفتح مرة أخرى ملف الفساد المستشري في قطاع المحروقات بتونس، وتدفع الرأي العام إلى طرح أسئلة جوهرية حول حدود الرقابة والمحاسبة، لا سيما في الملفات ذات الطابع الدولي، حيث تتداخل المصالح بين السياسي، الإداري، والاقتصادي