وسط مشهدٍ إقليمي مأزوم وعالميٍ مرتبك أمام الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة، تُطلّ من المغرب الكبير مبادرة غير مسبوقة تتجاوز التنديد، وتُعيد توجيه البوصلة نحو الفعل الميداني التضامني: إعلان تشكيل وانطلاق أسطول الصمود المغاربي ليأخذ موقعه ضمن العملية البحرية الثانية لكسر الحصار، جنبًا إلى جنب مع شركاء عالميين من أوروبا وآسيا، في تحرك شعبي مستقل يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ويُحرج منظومة الصمت الدولية.
هذا التحرك ليس وليد لحظة، بل تتويج لمسارات نضالية بدأت منذ قافلة الصمود بشعار "ماضون إلى غزة برا وبحرا وجوًا" التي انطلقت من تونس في ماي الماضي قبل أن يتم إيقافها عند مشارف مدينة سرت الليبية، لكنه يعيد اليوم إنتاج الفكرة بقوة أكبر، وتنسيق مغاربي يتجاوز الحواجز السياسية والجغرافية، ويعكس وحدة الشعوب حين يتعلق الأمر بالحريّة والكرامة. يترافق هذا المسار مع تحركات مماثلة حول العالم، مثل انطلاق سفينة "مادلين" ثم "حنظلة" من إيطاليا، ومحاولة آلاف النشطاء التحليق نحو غزة في حراك جوي دولي واجه الإيقاف والترحيل. كل هذه الخطوات تشكّل اليوم نسيجًا متماسكا ضمن أسطول الصمود العالمي، الذي يضم الشركاء من البحر المتوسط إلى شرق آسيا، في مشهد يعيد رسم تضاريس التضامن الأممي من جديد.
في صيغته الجديدة، يقود التحرك المغاربي لجنة تنسيقية تضم تمثيليات من تونس والجزائر وليبيا، في انتظار الالتحاق الرسمي لوفدي موريتانيا والمغرب، بينما تنبثق عنها لجان عمل لضمان فاعلية التنظيم. الأهداف واضحة: كسر الحصار عن غزة، تسليط الضوء على المجازر المرتكبة بحق المدنيين، إعادة راهنية القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب والإعلام، والانخراط الفعلي في معركة إنسانية تتجاوز الشعارات.
من البحر الأبيض المتوسط، تنطلق سفن الأسطول في أواخر الصيف وبدايات الخريف، قبل انتهاء الموسم البحري، في اتجاه غزة، حاملين معهم رسالة الشعوب المغاربية: أننا لا ننسى، لا نغفل، ولا نهادن. فالصمت أمام الإبادة هو تواطؤ، والتضامن المحايد لم يعد صالحًا في زمن يُقصف فيه الأطفال وتُحاصر فيه الحياة نفسها.
أسطول الصمود المغاربي لا يبحر فقط نحو غزة، بل نحو ضمير العالم. هو فعلٌ جمعيٌّ ينبض بالكرامة، يواجه الاحتلال وأعوانه، ويعيد طرح السؤال الجوهري: ماذا بقي من الإنسانية إذا استُباحت غزّة أمام الأعين؟ وبين أشرعة الصمود ومحركات السفن، تكتب الشعوب تاريخًا جديدًا لا تكتبه الجغرافيا ولا تمليه الأنظمة، بل تصنعه الإرادة الحرة حين تكون بوصلتها الحق والحرية والعدالة.