بقلم أميرة عزيزي ---
رغم الاحترام الذي تحظى به وزيرة الثقافة التونسية كفنانة مرموقة، فإنّ الأداء الوزاري في السنوات الأخيرة يكشف عن فشل واضح في تسيير القطاع الثقافي، وتقصير في حماية التراث، وتنظيم المهرجانات، وتوزيع الميزانيات.
فالثقافة في تونس لا تُدار برؤية، بل تُستهلك في مناسبات، وتُباع على أرصفة السوق السوداء، بينما يظل المواطن والمبدع في موقع المتفرّج العاجز.
ميزانية الوزارة للثقافة: أرقام لا تعكس طموحًا ثقافيًا
بلغت ميزانية وزارة الثقافة لسنة 2025 حوالي 425.49 مليون دينار، بزيادة 3% فقط عن سنة 2024.
من هذه الميزانية، تم تخصيص:
- نفقات الاستثمار: زيادة بـ 8%
- نفقات التدخلات: زيادة بـ 4%
- نفقات التأجير والتسيير: زيادة بـ 1% فقط
ورغم هذه الزيادات، فإنّ نسبة الميزانية المخصصة للوزارة لا تتجاوز 0.7% من ميزانية الدولة، وهي أقل بكثير من المعدلات المعتمدة في دول مثل المغرب (1.2%) أو فرنسا (2.5%)، ما يعكس ضعف الإرادة السياسية في دعم الثقافة كمجال استراتيجي رغم ثراء المخزون الثقافي في تونس.
فالثقافة ليست عبئًا على الميزانية، بل فرصة استثمارية كامنة، حيث تُثبت التجارب الدولية أنّ الاستثمار المدروس في الهوية الثقافية يدرّ أرباحًا اقتصادية هامة، كما هو الحال في دول نجحت في التسويق الذكي لتراثها وإبداعها المحلي.
التراث: تأخير مزمن وافتقار للرؤية المؤسساتية
تونس تمتلك فقط 8 مواقع أثرية مصنّفة ضمن التراث العالمي، منها قرطاج، الجم، القيروان، وسوسة، لكن ملفات مثل القصور الصحراوية، جزيرة جربة، وفخار سجنان لم تُسجّل إلا بعد سنوات من التأخير، وبعضها بجهود فردية لا مؤسساتية.
الوزيرة نفسها أقرت أن 80% فقط من رصيد المتحف الأثري بقرطاج تم جرده ورقمنته، رغم مرور أكثر من 20 سنة على انطلاق المشروع.
ملف ترشيح مدينة سيدي بوسعيد للتراث العالمي لم يُقدّم إلا في جانفي 2025، وسيخضع للتقييم حتى منتصف 2026.
هذا التأخير يطرح سؤالًا محوريًا: هل تمتلك الوزارة وحدة مختصة فعلاً في إعداد ملفات التراث؟ أم أن التراث يُدار بمنطق المناسبات؟
المهرجانات: فوضى تنظيمية وسوق سوداء تُقصي المواطن
تباع تذاكر مهرجانات مثل قرطاج والحمامات في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 1500 دينار، أي 5 أضعاف السعر الرسمي.
وفي مهرجان قرطاج 2025، اختفت التذاكر من المنصة الرقمية خلال 5 دقائق فقط، لتظهر لاحقًا على صفحات فيسبوك بأسعار خيالية.
وهذا ما يُؤكد غياب الرقابة، وعدم ربط التذاكر بالهوية، وعدة عوامل ساهمت في تحويل الثقافة إلى امتياز طبقي.
ورغم الجدل، لم تصدر الوزارة أي بيان توضيحي أو تحقيق رسمي، ما يعكس إهمالًا إداريًا فادحًا.
تهميش الجهات الداخلية وغياب الرؤية
أغلب الأنشطة الثقافية تُنظّم في العاصمة والساحل، بينما الجهات الداخلية تعاني من غياب الفضاءات، ضعف التمويل، وانعدام البرامج المستدامة.
من هنا يمكننا القول إن الوزارة تُدار بمنطق المهرجانات، لا بمنطق السياسات الثقافية.
لا توجد مؤشرات أداء واضحة، ولا تقييم دوري للبرامج، ولا تداول فعلي على المسؤوليات داخل المؤسسات الثقافية.
ملفات الفساد داخل الوزارة، من سوء توزيع التمويلات إلى تعيينات غير شفافة، لا تزال مغلقة دون محاسبة.
الثقافة ليست ترفًا، بل هي رئة الشعوب في زمن الاختناق
ووزارة الثقافة التونسية، رغم احترامنا لشخص الوزيرة كفنانة، فشلت في تحويل الرمز إلى فعل، والحضور إلى سياسة.
ما لم تُراجع الوزارة رؤيتها، وتُفعّل الرقابة، وتُعيد الاعتبار للتراث والمواطن، فستبقى الثقافة التونسية موسمية، نخبوية، ومقصاة من وجدان شعبها.