بقلم أميرة عزيزي ---
ليبيا التي نعرفها لا شرقية ولا غربية، بل جارة عزيزة ورفيقة درب ولكن في خضم الأحداث المؤسفة التي رافقت القافلة الإنسانية المتجهة إلى الأراضي الليبية، وتحديدا الاعتقالات وسوء المعاملة التي طالت عددا من المشاركين في الجهة الشرقية من ليبيا و تحديدا في مدخل مدينة سرت، يبدو من الضروري أن نتوقف لحظة، لا للاتهام ولا للتبرير، بل للمكاشفة والصدق مع أنفسنا أولا، ثم مع الآخرين.
ليبيا، الجارة التي لم تكن يوما سوى حضنا مفتوحا، نستعيد معها ذاكرة مشتركة من الألم والأمل، لا يمكن اختزالها في معسكرات أو في انقسامات جغرافية مصطنعة. ليبيا التي نعرفها ليست شرقية ولا غربية، بل شقيقة تقف إلى جوارنا حين نُثقل، وتنتظر منا ذات الموقف حين تثقلها أزماتها والتاريخ يشهد . لكن، وكما نقول بالتونسي: "شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين". ما حدث كان نتيجة تداخل عدة عناصر، بعضها داخلي وبعضها خارجي، بعضها نابع من الحذر المفرط وبعضها من الاندفاع غير المحسوب.
في الجهة الشرقية من ليبيا، حيث السيطرة الأمنية بيد خليفة حفتر، لا يحتاج الأمر كثيرا من التفسير لفهم طبيعة النظام هناك، خصوصا في علاقته الوثيقة والمتشابكة مع مصر. ولسنا هنا في معرض التشهير أو التحامل، بل في سعي لتوصيف الواقع بموضوعية. هذه الجهة، المعروفة بتشددها الأمني، لا تتسامح كثيرا مع التحركات غير المنسّقة أو التي تُفهم، ولو عن طريق الخطأ، على أنها ذات طابع سياسي أو عقائدي، لا إنساني صرف.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن الاندفاع العاطفي والإعلامي للبعض لعب دورا كبيرا في تصعيد الأمور. التدوينات العشوائية، الفيديوهات المتسرعة التي نشرها بعض المشاركين، وتصريحات بعض الناشطين عبر وسائل الإعلام والتي حملت اتهامات مباشرة للفريق المنظم للقافلة بالانتماء إلى "الإخوان"، كل هذا جعل الوضع أكثر احتقانا، وزاد من سوء الفهم بين الأطراف.
الأمر خرج من كونه حادثا معزولا إلى أزمة تتطلب تروّيا وحكمة في التعاطي. والسؤال الجوهري الآن ليس من أخطأ أولا، بل ما هو مصير المحتجزين؟ وعددهم، وفق المعلومات المتوفرة، 15 شخصا، منهم 2 تونسيين و2 جزائريين والبقية ليبيون. هؤلاء ليسوا أرقاما، بل أناسا لهم عائلات تنتظر، وأصدقاء يترقبون خبرا يبدد الخوف.
كما أن مصير القافلة بات غامضا. هل ستُستكمل؟ هل ستُحلّ أزمة الموقوفين في كنف الصمت الدبلوماسي أم بصخب الشارع؟ هل هناك خطوة قادمة؟ وما المطلوب من الحكومات، من المجتمع المدني، ومن الإعلام أيضا؟
الخطوة التالية يجب أن تكون عقلانية، مسؤولة، وبعيدة عن الشعبوية. المطلوب ليس مزيدا من الشحن العاطفي أو التصعيد، بل تحرك رسمي سريع من الحكومات المعنية (خاصة تونس والجزائر)، ووساطة فعالة بين الأطراف، واستيعاب أن الأرض الليبية، برغم طيبتها، تعيش وضعا هشا، أمنيات وسياسيا، لا يحتمل المغامرات.
أخيرا و ليس آخرا يبقى المبدأ الذي يجب أن نتمسك به جميع وهو ان العمل الإنساني لا يجب أن يكون موضع شك أو تسييس. وإن اختلفنا في الأساليب، فلنتفق على النوايا. فليبيا، في النهاية، لا تستحق إلا أن تُحتضن كما كانت دائما: جارة، وأخت، ورفيقة درب، ليبيا تعول علينا في أزماتها و تونس وكذلك.