كاتب المقال : يونس بالعايدي
في خطوة مثيرة للجدل، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوامر تنفيذية تقضي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 28% على واردات عدة دول، من بينها تونس. هذا القرار، الذي جاء ضمن حزمة من الإجراءات الحمائية لدعم الاقتصاد الأمريكي، أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية التونسية، حيث يُتوقع أن تكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد التونسي الهش أساسًا.
تونس في مرمى العقوبات الاقتصادية الأمريكية
يعد هذا القرار الأمريكي ضربة موجعة للصادرات التونسية، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية، مثل النسيج والملابس، الصناعات الإلكترونية، والمنتجات الفلاحية.
بحسب بيانات وزارة التجارة التونسية، تمثل الولايات المتحدة أحد أهم الأسواق غير الأوروبية للصادرات التونسية، حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين أكثر من 1.2 مليار دولار في 2024. ومع فرض هذه الرسوم الجمركية المرتفعة، ستواجه المنتجات التونسية انخفاضًا حادًا في التنافسية بالسوق الأمريكية، مما قد ينعكس سلبًا على معدلات التشغيل ونمو المؤسسات المصدّرة.
تداعيات اقتصادية خطيرة
1. تراجع الصادرات التونسية
يُتوقع أن يؤدي فرض رسوم جمركية بنسبة 28% إلى تراجع صادرات تونس نحو الولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 30% و40%، خاصة في القطاعات التي تعتمد على التصدير المباشر، مثل الملابس الجاهزة والفوسفات وزيت الزيتون.
2. ضغوط إضافية على الدينار التونسي
مع انخفاض الصادرات، سيتراجع تدفق العملة الصعبة إلى البلاد، مما قد يزيد من الضغوط على الدينار التونسي ويؤدي إلى مزيد من التراجع في قيمته مقابل الدولار، وهو ما سينعكس سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع كلفة الواردات.
3. تهديد آلاف مواطن الشغل
قطاع النسيج، الذي يعد من بين أكثر القطاعات تضررًا، يشغل أكثر من 160 ألف عامل في تونس، ومع ارتفاع الرسوم الجمركية الأمريكية، قد تلجأ العديد من المصانع إلى تقليص إنتاجها أو حتى إغلاق أبوابها، مما يعني فقدان آلاف فرص العمل وزيادة معدلات البطالة.
ردود فعل غاضبة في تونس
الحكومة التونسية: نرفض القرار وسنبحث عن حلول
أعربت الحكومة التونسية عن رفضها لهذا القرار الأحادي، معتبرة أنه يمثل إجراءً غير عادل يضر بالعلاقات التجارية الثنائية. وقالت وزارة التجارة التونسية في بيان رسمي:
“نحن نتابع تداعيات هذا القرار عن كثب وسنعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الاقتصاد التونسي، سواء عبر التفاوض مع الجانب الأمريكي أو البحث عن أسواق بديلة لتعويض الخسائر المحتملة.”
منظمات رجال الأعمال: يجب التحرك سريعًا
من جهتها، حذرت منظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) من العواقب الوخيمة لهذا القرار على الاقتصاد التونسي، داعية الحكومة إلى التحرك العاجل لفتح قنوات حوار مع واشنطن، أو اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية للطعن في هذا الإجراء.
وقال أحد كبار المصدرين التونسيين في قطاع النسيج:
“هذا القرار سيجعل من المستحيل تقريبًا تصدير منتجاتنا إلى الولايات المتحدة. إذا لم يتم إيجاد حل سريع، فإن العديد من الشركات ستضطر إلى تسريح العمال أو إغلاق مصانعها.”
المجتمع المدني: القرار سياسي بامتياز
يرى بعض المحللين أن هذا القرار له أبعاد سياسية أكثر من كونه إجراءً اقتصاديًا بحتًا، حيث يعتبرون أن إدارة ترامب تسعى إلى فرض ضغوط على تونس بسبب سياساتها الخارجية أو لمواقفها من قضايا إقليمية، خصوصًا فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والعلاقات مع الصين.
ما الخيارات المتاحة أمام تونس؟
1. اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية
يمكن لتونس تقديم شكوى لدى منظمة التجارة العالمية للطعن في هذا القرار، باعتباره يتعارض مع مبدأ التجارة الحرة والاتفاقيات الثنائية بين البلدين. لكن هذا المسار قد يستغرق وقتًا طويلاً ولا يضمن نتائج فورية.
2. البحث عن أسواق بديلة
قد تسعى تونس إلى تعويض خسائرها عبر تعزيز صادراتها نحو الأسواق الأوروبية، الآسيوية، والإفريقية، إلا أن ذلك قد يتطلب إعادة هيكلة الإنتاج والاستثمارات في قطاعات معينة لمواكبة متطلبات الأسواق الجديدة.
3. التفاوض مع الإدارة الأمريكية
الحل الأسرع قد يكون فتح قنوات حوار مباشر مع واشنطن لإيجاد صيغة تخفف من وطأة هذا القرار أو استثناء بعض المنتجات التونسية من الرسوم الجمركية.
هل ستتجاوز تونس هذه الأزمة؟
يضع هذا القرار الأمريكي تونس أمام اختبار اقتصادي صعب، حيث ستحتاج الحكومة إلى استراتيجيات عاجلة لحماية المصدرين وتجنب أزمة اقتصادية أعمق. وفي الوقت نفسه، يُطرح تساؤل كبير: هل ستنجح تونس في مواجهة هذه الضغوط الدولية، أم أنها ستظل رهينة قرارات أحادية تؤثر على اقتصادها الهش؟
الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مآل هذا الملف، لكن المؤكد هو أن تونس ستواجه تحديات كبرى في ظل متغيرات اقتصادية وسياسية عالمية غير مستقرة