top of page

كيف يهدد الإهمال ذاكرة حضارة عمرها آلاف السنين؟

  • Photo du rédacteur: Amira AZIZI
    Amira AZIZI
  • 17 juil.
  • 3 min de lecture
ree

أميرة عزيزي



رغم أن تونس تُعدّ من أغنى الدول المغاربية من حيث الإرث الحضاري، إلا أن وضعية المواقع الأثرية فيها ينذر بخطر متزايد. ففي تصريح لإذاعة موزاييك في شهر ماي من السنة الحالية، أكدت ليلى الدعمي، المختصة بوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، أن البلاد تحتضن أكثر من 30 ألف موقع أثري، من بينها 187 موقعا مصنّفا رسميا موزّعا على 22 ولاية من مجموع 24. لكن هذه الكنوز التاريخية تواجه عدة مخاطر أبرزها الإهمال، الزحف العمراني، وغياب الرؤية السياحية.


وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 100 معلم أثري تم تصنيفه كمهدد بالاندثار منذ سنة 2006، دون تدخل فعلي حتى سنة 2013.


في تصريح لجريدة "الشروق" في شهر مارس 2024، قال فتحي البيحري، المدير السابق لصيانة المواقع الأثرية: "أغلب المواقع تفتقر إلى الحراسة بسبب غياب الميزانيات، رغم تقديم ملفات دعم سنوية لوزارة المالية تُرفض بشكل متكرر. بعض المواقع تحوّلت إلى مصبّات فضلات، مثل برج زوارة وبرج سيدي مسعود بطبرقة."


أما علي الثابتي، ممثل المعهد الوطني للآثار بتطاوين، فقد صرّح لإذاعة تطاوين في أواخر السنة الفارطة: "موقع سهل الرومان مهدد بالاندثار، ويُستثنى من البرامج السياحية رغم قيمته التاريخية التي تعود إلى العهد الروماني والبربري."


وفي حديثه لقناة الوطنية الأولى بداية سنة 2025 ، أشار الحبيب علجان، رئيس جمعية صيانة التراث بغمراسن، إلى أن: "القصور البربرية تُهمل بعد الترميم، وتبقى بلا حراسة، كما لا يتم إدراجها رسميًا ضمن قائمة المعالم الأثرية."


هذه الشهادات تكشف عن أزمة عميقة، تتجلى في غياب استراتيجية وطنية واضحة، وتداخل الصلاحيات بين وزارات الثقافة والسياحة والبلديات، إضافة إلى ضعف التنسيق بين المعهد الوطني للتراث والوكالة الوطنية لحماية التراث. كما أن الزحف العمراني طمس معالم أثرية كاملة، مثل آثار وادي الزرقة في باجة، وحوّل بعضها إلى فضاءات مهملة.


المفارقة الكبرى أن مواقع مثل كركوان، بلاريجيا، أوذنة، وتابسوس، رغم تصنيفها أو أهميتها التاريخية، تبقى خارج البرامج الترويجية للسياحة، ولا تستفيد من التمويل الثقافي أو صناديق التعاون الدولي. الزيارات لهذه المواقع تقتصر غالبا على الباحثين أو بعض الفرق المسرحية والمهرجانات الموسمية، ما يفوّت على تونس فرصًا اقتصادية وسياحية كبيرة.


وفي هذا السياق، تشير دراسة صادرة عن المعهد العربي للدراسات السياحية في مارس 2025 إلى أن كل دينار يُستثمر في التهيئة الأثرية يمكن أن يعود بـ 6 إلى 9 دنانير من العائدات السياحية المباشرة وغير المباشرة. هذا دون احتساب فرص التشغيل المحلي، ودور هذه المعالم في رفع القيمة السياحية للجهات المهمشة وتنشيط الاقتصاد الثقافي.


وما يزيد من قسوة المفارقة أن العديد من الدول ذات الإرث الأثري المحدود مقارنة بتونس، مثل الأردن وتركيا والمغرب، نجحت في تحويل معالمها التاريخية إلى روافع اقتصادية وسياحية متكاملة، عبر الاستثمار الذكي في التهيئة والترويج. فقد بلغت عائدات مدينة البتراء الأردنية وحدها أكثر من 80 مليون دولار سنة 2023، رغم أن آثارها تعود إلى حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، أي بعد قرون من تأسيس كركوان التونسية في القرن السابع قبل الميلاد، والتي ما تزال مهمّشة إعلاميا وسياحيا.


أما تركيا، فقد استطاعت تحويل مدينة "أفسُس" الرومانية إلى أحد أشهر المواقع السياحية في أوروبا، بما يفوق 2 مليون زائر سنويا، بينما لا يتجاوز عدد زوار "أوذنة" التونسية بضع عشرات في الفصول غير السياحية، رغم احتوائها على مدرج ضخم وحمامات رومانية فريدة.


وفي سياق متصل، عبّر بولبابة النصيري ، الباحث في التاريخ والحضارات، للمغاربية للتحقيق عن استغرابه من التجاهل تجاه مواقع أثرية قرطاجية تعود إلى ما قبل القرن التاسع قبل الميلاد، مثل سلقطة و أوتيك و كاب زبيب، مؤكدا أن: "تونس تمتلك ما يوازي أهرامات مصر قيمة، لكننا لم نُثمنها، ولم نستثمر فيها. قرطاج كانت أول جمهورية ديمقراطية، أول محكمة دستورية، أول من سنّ قوانين لحفظ حقوق المرأة والمسنين، لكن هذا التاريخ طُمِس، وما زال في المخازن الفرنسية والبريطانية."

وأضاف أن أكثر من 400 سنة من تاريخ قرطاج جرى محوها من ذاكرة التاريخ ، وأن تونس تمتلك 34 موقعا قرطاجيا لا تعترف الدولة إلا بواحد منها، وهو كركوان.


من جهته، قال الدكتور ناجي جلول، الوزير السابق والباحث في التاريخ: "المواقع الأثرية في تونس ليست مجرد حجارة، بل هي ذاكرة وطنية يجب أن تُدرّس وتُروّج وتُحمى. لدينا ثروة أثرية يمكن أن تكون رافعة اقتصادية وسياحية، لكنها تحتاج إلى مشروع وطني حقيقي، لا مجرد زيارات موسمية."


إن هذه المقارنات والمواقف الأكاديمية لا تهدف إلى التقليل من جهود الجهات التونسية، بل تُسلّط الضوء على الإمكانات الكامنة التي ما تزال تحت غطاء النسيان، وتُؤكد أن حسن إدارة التراث الأثري وتسويقه يمكن أن يُعيد لتونس مكانتها التي تستحقها ثقافيا وسياحيا.


إن إعادة الاعتبار لهذه الكنوز يتطلب فعلا إرادة متعددة الأبعاد، تبدأ بإنشاء هيئة مستقلة لحماية التراث، وتخصيص ميزانية دائمة للحراسة والصيانة، مرورا بإدراج المواقع المهملة في لوائح التراث العالمي لليونسكو، وصولا إلى تفعيل دور الصحافة والإعلام في تحفيز الإصلاح.

bottom of page