محكمة سرية في صفاقس، قضاء مواز داخل مجتمع مهاجرين افارقة يهدد سيادة الدولة
- EMIRA azizi
- 22 nov.
- 3 min de lecture

في مساء 21 نوفمبر 2025، نفذت وحدة طلائع الحرس الوطني بصفاقس، بالتنسيق مع فرقة الأبحاث والتفتيش، عملية أمنية دقيقة في منطقة الناصرية، أسفرت عن مداهمة مركز غير قانوني يشبه "محكمة خاصة" يديرها مهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء. هذا الحدث، الذي يبدو للوهلة الأولى استثنائيا، يكشف عن ظاهرة أعمق: نشوء هياكل قضائية موازية داخل مجتمعات مهاجرة، في ظل غياب آليات رسمية لحل النزاعات.
تفاصيل العملية الأمنية
تم إيقاف ثلاثة أشخاص في مرحلة أولى، فيما تتواصل التحقيقات لتحديد باقي المتورطين. المركز الذي تم تفكيكه كان مجهزا بوسائل تنظيمية وأمنية، منها دفاتر سجلات تحتوي على عشرات القضايا والشكاوى التي تم الفصل فيها داخليا بين أفراد الجالية، دون أي إشراف قانوني أو ترخيص رسمي. تشير المعطيات الأولية إلى أن هذه "المحكمة" كانت تمارس صلاحيات قضائية موازية، ما يُعد انتهاكا صارخا لاختصاصات الدولة القضائية.
خلفية رقمية: الهجرة غير النظامية في صفاقس
تشير المعطيات الرسمية إلى أن مدينة صفاقس أصبحت في السنوات الأخيرة إحدى أبرز نقاط العبور للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، ما جعلها تواجه ضغطا ديمغرافيا وأمنيا متزايدا. ففي عام 2025، قُدّر عدد المهاجرين غير النظاميين المقيمين في صفاقس بما يتراوح بين 10,000 و15,000 شخص، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء. كما سجّلت تونس خلال نفس العام أكثر من 23,000 محاولة هجرة غير نظامية عبر البحر، انطلقت نسبة كبيرة منها من سواحل صفاقس. وتفيد بيانات المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 60% من المهاجرين غير النظاميين في تونس يعيشون في ظروف غير موثقة، ما يخلق بيئة خصبة لنشوء هياكل موازية، مثل "المحكمة السرية" التي تم تفكيكها مؤخرا. هذه الأرقام تعكس حجم التحدي الذي تواجهه السلطات في إدارة ملف الهجرة، وتسلّط الضوء على الحاجة إلى حلول شاملة تتجاوز المقاربة الأمنية الصرفة.
لماذا تنشأ "محاكم موازية"؟
من خلال شهادات ميدانية وتحليل اجتماعي، يمكن تلخيص أسباب نشوء هذه الهياكل في النقاط التالية:
- الفراغ القانوني: غياب آليات رسمية لحل النزاعات داخل المجتمعات المهاجرة.
- الاستبعاد المؤسسي: عدم قدرة المهاجرين على الوصول إلى القضاء الرسمي بسبب وضعهم غير القانوني أو الحواجز اللغوية.
- الضغط السكاني والتهميش: تشكل تجمعات مغلقة داخل أحياء مثل الناصرية والعامرة، ما يعزز التنظيم الذاتي.
التداعيات القانونية والأمنية
تعتبر السلطات التونسية هذه الظاهرة تهديدا مباشر لسيادة الدولة واختصاصاتها القضائية. وقد يواجه الموقوفون تهما تتعلق بتكوين تنظيم غير قانوني، وانتحال صفة قضائية، وتعريض الأمن العام للخطر. وتشير تقارير أمنية إلى أنه تم خلال الأشهر الأخيرة تفكيك أكثر من 12 مخيما غير قانوني في صفاقس، بعضها كان يحتوي على تجهيزات أمنية وتنظيم داخلي يشبه المؤسسات الرسمية.
بين السيادة والحقوق الإنسانية
رغم خطورة الظاهرة، لا يمكن تجاهل البعد الإنساني. فالمهاجرون يعيشون في ظروف هشّة، ويواجهون تحديات قانونية واجتماعية معقدة. وهنا تبرز الحاجة إلى:
- تعزيز دور المجتمع المدني في الوساطة القانونية.
- توفير آليات بديلة لحل النزاعات داخل المجتمعات المهاجرة.
- تطوير سياسات إدماج قانونية وإنسانية تحترم السيادة وتضمن الحقوق.
خلاصة الموضوع
ما حدث في صفاقس ليس مجرد حادثة أمنية، بل مؤشر على خلل هيكلي في إدارة ملف الهجرة غير النظامية. "المحكمة السرية" تكشف عن مجتمع مواز يتشكل في الظل، ويطرح أسئلة جوهرية حول العدالة، السيادة، والاندماج.
هل نحن أمام بداية تشكّل "دول داخل الدولة"، حيث تنشأ منظومات موازية تتولى فضّ النزاعات وتسيير شؤونها بعيدا عن سلطة القانون؟ أم أن ما جرى في صفاقس ليس سوى صرخة مجتمعية صامتة، تعبّر عن التهميش والفراغ المؤسساتي الذي يعيشه آلاف المهاجرين؟
إلى متى ستواصل تونس تقمّص دور "حارس بوابة أوروبا"، تتحمّل وحدها تبعات سياسات الهجرة الإقليمية دون رؤية وطنية عادلة؟
وما مصير الأفارقة المقيمين على التراب التونسي، بين مطرقة الترحيل وسندان التهميش، في ظل غياب إطار قانوني يضمن الحقوق ويصون السيادة؟
بقلم أميرة عزيزي _Amira Azizi


